آخر زبائن هذا العصر

الصفحة الرئيسية | للاتصال | بحث  
 

    | English  |  Русский

الاخبار
اسئلة و اجابات
اقتراحات
مناقشة قضية
من كتابات وسيم

بقلم وسيم صلاح حسين

(1)

        صفع الطفل على خده صائحا – لا يصح هذا يا ولد – ومع انسياب أول دمعة وحتى انتهاء أخر قطرة لم يستطع هذا الولد طوال حياته أن ينسي هذا المنظر. سجلته حدقة عينية وأخذت ماكينة العرض تعيدها عليه دون انتظار وعلى مرأى نظره. تتحرك كادراً، كادراً ببطء ممبث.

        يغلق جفنيه محاولا محو الصورة دون فائدة. تتقدم الصورة غير مبالية، يتخيل الشاشة أمامه يلوح بيديه أكثر عنفاً، لية يكسرها، ولكنها تظل تعمل في القمة وبدون إنارة. يصيح كل مرة، ولكنها تظل تعمل في القمة بدون إنارة. يصيح مرة أخري ولا فائدة، على الرغم من أنه حينها لم يفتح فمه. تألم ترنح من حول الصدمة. احتضن تلك الوسادة فتح عينيه ليجد نفسه وقد تخطي الأربعين بخطوة. تلفت حوله مذعوراً انتفض الدم في عروقه. اخفي وجنتيه بين يديه تطلع من بين أصابعه رأي الدنيا تتمخطر بين ضوء المساء وضوء الصباح، حاول أن يتذكر في أيام هو وما هذا المكان؟ مر زمن لا يستطيع حسابه حتى أدرك أنه يقطن وحيداً في شارع.... وشقة... ومدينة ...

(2)

        تتوالي كلماته واحدة تلو الأخرى حاملة معها كمًّا هائلاً من الأكاذيب. تنسال من بين شفتيه ديباجة مهزوزة كصورة لمصور مبتدئ يبدأ أولى خطواته في عالم جديد عليه يخوض بين صفحاته تذوب الكلمات في فمه كقطعة زبد في يوم حار. يأخذه الحماس، يخوض في مستنقع به رمال متحركة، فمع كل كذبة يجب أن يرتب عليها كذبة أخري. تكبر الأكاذيب والوقت لا يسعن والإخراج ضحل مليء بالأوحال.

يتعثر وتنحرف حبكة الرواية يدعمها بمجموعة تقويم سريعة حتى لا تضيع منه خيوط الحكاية. ينسي كذبه، تتضارب أقواله تذكره بما سرد يتناسي. تصر على رأيك كنوع من احترام الذات تريد أن تصرخ – لست أبله حتى أصدق هذا الهراء – تتماسك ويدور في خلدك أن في هذا الزمن الأعوج كثر أمثاله صعدوا سلم قد تكون على أعتاب درجاته، ولكنك فخور بأنك لم يجرفك التيار، وأن مصباحك الذي في يدك قد أنار لك عالم الظلمات.

(3)

        تنحدر بنا الأيام يغمرنا الزحام نحو منزلق التهافت صوب المال. لا نكاد نشعر بالارتياح حتي نستنشق بعمق لنلهث مرة أخري نحو المجهول لا ندري أي المقترفات نختار؟ : هذا ؟ أم ذاك ؟ نلفت يساراً ويميناً نتخطي منعطفاً. نتوقف فجأة. يهمس في أذنك هاجس حتى لا يسمعه أحد – أسلك هذا الاتجاه – تسرى دوره تفكيرك، تتذبذب جبال أفكارك في رأسك دوّارة، تنغمس في حقل الأفكار ولا تكاد تعلو قدماك لتخطو الخطوة القادمة فإذا بك تتعثر في وحل الطريق، لتسقط على رأسك، ولآخرة مرة تتوقف ويتوقف قلبك عن الخفقان. تعلو صرخات من حولك تسمعها وتتأثر ثم تكاد تموت من الحسرة.

(4)

        دائماً أعيش لحظة موتي، أسير وأسمع بأذني كلمات رثائي. أنظره في وجه من يحدثني دون أن أدقق: ماذا يتحدث ؟ أتصور ملامح وجهه وتلك المترادفات التي ستنالها على في لحظة تأبيني. أعيش ما بعد الموت أفكار تجرحني، كلمة: تقطع أوصالي وتهديدها قربانا للشر تتمزق أفكاري أكاد أجن، أتمني الموت، علّ ربى أن يرحمني فلقد بت أخاف الغدر، وأصالح من يقتلني أستنشق رائحة النهاية، أعانقها، تتخطاني وتنظر إلىّ بعيون مبتسمة: لم يحن بعد دورك فلتبق مكانك !

(5)

        تقطّعت حروف الكلمات في حلقة. تلكأت وتحشرجت خرجت مجروحة كبصقة على هذا الزمان.

تنمرت عضلات وجهه وقفز إلى الأمام في حركة عصبية تنم عما يعتمل في صوره. توالي شريط حياته أمام عينيه. يتوقف أحياناً في بعض المقاطع يسترجع ذاكرته، يقدمها ببطء. يبتسم. يحضك. يبكي. يحزن. يعلو صوته على غير المألوف. ترمقه عيوب الناس، يتكلم بفخر عن ماضيه – في أحلك ساعات العمر تصدى وقام، في عز سطوع نجمه لم يتغير. يخطو خطوات دون أن يدري كأنه مُسيّر بجهاز خفي قد باحت عنه آخر صيحات العصر. يتصور أنهم يشاهدون ما يراوده. يصرخ: لا يحق لكم ذلك. الدنيا من حوله يتجمع المارة. تكتمل الدائرة. وفي لحظة تنفتح الدائرة وتتحول في لمحة إلى مربع ناقص ضلع. يتقدم شخصان وفي يدهم روب أبيض قد أحكمت حياكته بأيد مُقفلة مُعوّجة مثل ذلك العصر. يقيدونه وتحمله عربة بيضاء تعلوها لمبة زرقاء، تتناغم بشكل أسود مع صوت نفير العربة كما لو كانت تُعْلن: فلتفسحوا الطريق لآخر زبائن هذا العصر.!

 

 


الصفحة الرئيسية | الاخبار | اسئلة و اجابات | اقتراحات | مناقشة قضية | من كتابات وسيم

يجب توجيه الأسئلة والمشكلات المتعلقة بموقع ويب هذا إلى الحملة الإعلامية لمتابعة قضية مقتل وسيم صلاح حسين.
Copyright © 2009 ‏

. كافة الحقوق محفوظة.
التعديل الأخير: 09/08/09.